لمن يريد قــــــــــــــــــــــــــــــراءة رواية : ( الســــــــــــــــــــــــــــــــــر والعــــــــــــــــــــــوض) الســــــــــــــــــــــــودانية كاملة علي الإنترنت عليه بهذا الرابط
إلى كل محبي الأدب الســـــــــــــوداني الأصيل أقدم هذه الكتابات الأدبية الهادفة لتكون إضافة حقيقية لحقيبة الأدب السوداني الجــــــميل والــراقي !! لكل سوداني اصـــــــــــيل حق مطالعة الأدب الســـــــوداني من أصوله الحقيقية! وللــــــــــــقراء فائق الـــــــــــشكر
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
السبت، 10 ديسمبر 2011
الأربعاء، 7 ديسمبر 2011
اشتري الآن : رواية الســــــــــر والعـــــــــوض الســــــــودانية بسعر رخيـــــــــــــص جداً
بسم الله الرحمن الرحيم
أيـــــــــــــــــــها القراء الكـــــــــــــــــــــــــــرام:
اليوم أقدم لكم رابط كتاب الرواية الســـــــــــــــــــــــــودانية الرائعة
الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر و العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوض
لمن يريد قراءة الرواية كاملة على كتاب ورقي عليه بالإتصال بهذا الرابط أدناه
حتى يتمكن من شراء الرواية كاملة والإستمتاع بقرائتها!!!!
وشـــــــــــــــــــــــــكراً لكــــــــــــــــــم
والـــــــــــــــــــــــــــــــــرابط هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو
الأحد، 6 مارس 2011
16- وداع
16ـ وَدَاع
لم أصدق حينها أن الوقت قد مر سريعاً هكذا عندما تدرعت حقيبتي واضعاً حزامها علي كتفي, وكأنه قد أصابتني شائبة حزن والسر يبادل عم دفع الله كلمات الوداع:
- أها يا عم دفع الله نفوتك بي سلامه .. عليك الله أدعو لينا واعفا مننا .. الدنيا مامعروفة ولامن نبقي علي السفر برة بنجي نودعك إنشاء الله - وإنشاء الله ما آخر وداع !.
ودعته أنا الآخر... وأحسست أثناء ذلك كأنني أودع إنسان ألفته سنين طويلة ! هناك في الحقيقة نوع من البشر كأنهم ملائكة تجزع عند فراقهم حتى ولوكانت فترة تعرفك بهم ولأول مرة فى حياتك لم تدم لأكثر من يوم واحد فقط! فأنا أؤمن بالحديث الشريف:(الأروح جنود مجندة ماتشابه منها ائْتَلف وماتناكر منها اختلف)!
- ودعتكم الله ياولادى ربنا يوفقكم ويوصلكم بالسلامة ماتنسو تسلموعلى أولادى و على ناس الحلة كلهم بدون فرز ... وكلمو أولادى وقولو ليهم مافى واحد يتعب يجى أول ماعلاجى يتم .... بجى دربى عديل على الحلة ... اها مع السلامة ربنا يسهل عليكم!.
خرجنا مسرعين ودخلنا الفرن لنودع هجو الذى كان منشغلاً بعد الرغيف لأحد عمال عربات الكارو الذين يقومون بتوزيع الخبز..عندما لمحنا أنهى عملية العد والحساب :
- ياناس هوي ! بقيتو مارقين خلاص ! ياســـلاااام !!
- يازول كمان ماعندنا زمن .. بس نقولك مع السلامة عليك الله سلم لي علي الشلة كلها بعدما يجو من السوق!
- يبلغ إنشاء الله .. أها قلت لي السفر للعراق متين عشان نكون متابعين .. !
- بعد ما نستلم الجوازات بي أسبوع .. عشرة يوم بالكتير!
- ماشاءالله شغلتكم نجيضة تب كان كده !
وبدأ هجو يسترسل في الحديث, ويوصينا بضرورة مقابلته قبل المغادرة للعراق ليرسم لنا خريطة التحرك داخل ذلك البلد المخيف والجميل في ذات الوقت, وحتي يعطينا عناوين الكثير من أصدقائه هناك, وليصف لنا أفضل المناطق التي تناسب السودانيين للإقامة والعمل ، والكثير من المقترحات والنصائح التي حسبتها مهمة وذات فائدة كبيرة للذين يدخلون لأول مرة في حياتهم تجربة الغربة خارج الوطن وبعيداً عن الأهل والأحباب . وأنا في الحقيقة أعجبني سرده وحكاويه عن تجاربه الشخصية أثناء إقامته في ذلك البلد, ووددت لو أنه يسترسل أكثر واكثر في حديثه, إلا أن السر كان عكسي تماماً فقد تململ, وبدأ يتضايق من ثرثرة هجو الطويلة في هذا التوقيت الضيق والغير مناسب... لذلك قاطعه قائلاً :
- هجو أخوي حرم كلامك سمح لكن نحن ذي ما عارف ماشين لنا علي موضوع مهم وعاوزين نلفي المواصلات . لكن بوعدك نحن لازم نقضي معاك يوم كامل ومعانا كراس نأخد منك المعلوميات كاملة .. أها مع السلامة ياهجو وما تنسي تسلم لينا علي الجماعة !
- الله يسلمكم ربنا يوصلكم بالسلامة وسلموا علي ناس الحلة...!
ودعنا هجو ثم ذهبنا مسرعين نحو سوق أم دفسو الذي يجاور الموصلات التي تؤدي إلى البوستة أم درمان . وهناك وقبل أن نقصد المواصلات, توجهنا إلى مسجد البرقاوي حيث أدينا صلاة العصر في جماعة كبيرة, إلا أنها لم تكن الجماعة الرئيسية الأولي .. لم نمكث كثيراً في المسجد بعد أداء الصلاة حيث قمنا علي الفور متوجهين نحو محطة المواصلات . ربما كنا محظوظين بعض الشئ, فالحافلة الصغيرة التي صعدنا داخلها كان قد تبقي لها ثلاثة مقاعد لتكتمل ، وبقي مقعد واحد فقط سرعان ما أتي أحد الركاب وشغله, فتحركت بنا الحافلة مسرعة نحو البوستة التي وصلناها في زمن وجيز, حيث يجب علينا التوجه من ذلك المكان إلي المحطة الوسطي مشياً علي الأقدام – فالمسافة ليست ببعيدة عن البوستة – حيث توجد مواصلات بحري . وعندما وصلناها وجدنا بصّاً كبيراً – أشبه ببصات تاتا - في انتظارنا والكمساري يقف بجانبه ينادي بأعلى صوته دون ملل :
- بحري . بحري .... آخر بص الحق مايفوتك...!
صعدنا إلي داخل البص الضخم وعدد الركاب بداخله لايتجاوز العشرة, وعدد مقاعده حسب تقديري يتجاوز الأربعين مقعداً .. بقينا قرابة العشرة دقائق بداخله لكن التقدم في عدد الركاب كان بطيئاً, مازال هناك أكثر من ثلاثين مقعداً فارغاً, رغم أن الكاسيت كان يصدح بإحدي الأغنيات الجميلة للفنان عثمان حسين إلا أننا مللنا الإنتظار, وخفنا الظلام أن يداهمنا لا سيما وأنه تنتظرنا (مواصلة) أخري بعد وصولنا إلى المحطة الوسطي بحري. نظر السر إلي ساعته ثم نظر ناحية صفوف التاكسي التعاوني التي كنت تقف في جانب من الموقف, ثم قال لي بعد أن نهض قائماً من مقعده :
- انزلاكا يا العوض .. البص ده كان تابعناهو بِوِدِّرْنا ساي في البلد الواسعة دي !
نزلنا من ذلك البص ثم قصدنا إحدي عربات التاكسي الصفراء سعة 6 أو 7 ركاب كان متجهاً إلي بحري وقد تبقي له أربعة ركاب, وقبل أن نصعد بداخله إقترب السر من السائق وسأله عن وجهته وعن سعر الراكب, وسريعاً ما اقتنع بذلك, ثم صعدنا بداخله. لكننا أُضطررنا أن ننتظر عشرة دقائق كاملة, إلي أن جاء عدد أثنين من الركاب متفرقين ليكتمل التاكسي, بعدها تحرك بنا وتركنا البص ما زال واقفاً والكمساري يصيح بأعلى صوته إلي الغلابى, من مرتادي المواصلات الجماعية الرخيصة السعر ..المضيعة للوقت والعمر!.
وحينما وصل بنا التاكسي التعاوني إلي بحري المحطة الوسطي كانت الشمس تبدو عبارة عن دائرة حمراء كبيرة كاد محيطها أن يمس الأفق الغربي. كان السر دائماً يدفع في المواصلات, وعندما أسبقه وأدخل يدي في جيبي لأدفع يصيح بي وبصوت عالي ممسكاً بيدي :
- لا لا حرّم ما تدفع .. ! ماتشيل منو يا الكمساري...
فأستحي أن أجادله أمام الجموع من الركاب الذين بكافتهم يحملقون نحونا حينما يدور مثل ذلك الجدل العبيط الملئ (بالحليفة والحرامات)! وأنت صديقي القارئ تعرف أن السودانيين شعب يحب ( الشمار )!... لذلك أستسلم سريعاً لأُنهي ذلك الجدل المثير ( للشمشرة ) وأتركه ليدفع ! .. وأنا حسب علمي أن الكرم المعروف لدى العقلاء هو كرم الضيافة ببذل الطعام ومساعدة المحتاجين وغيره من مكارم الأخلاق التي تستدعي الكرم!, أما الكرم بالنقود والمال لمن قد لا يستحق ودفع الأجرة للغير في المواصلات, فهذا النوع من الكرم ربما لم يُشهد له مثيل في العالم, وبحسب ما أعتقد وأظن- أنه لا يفعل ذلك إلا السودانيون!... وأنا شخصياً لم أسمع عن مثل هذه العادة والبدعة الغريبة والعجيبة إلا عندنا هنا في السودان!......
وبعد أن إبتعدنا قليلاً عن مكان تجمع التاكسي أخبرني السر بأننا سنتوجه إلى مواصلات كوبر, ثم استطرد قائلاً:
- عارفك جيعان يا العوض ...! وانا كمان جيعان اكتر منك..! .... لكن كان عملنا لينا موضوع اكل خلاص يانا تاني المالقينا مواصلات... والشمس دار تغيب تب!
- ياخي يا السر ماممكن نخش على الناس في بيوتا جيعانين! دي عملية ما كريمة..! احسن نتريق لنا بي حاجة بعد داك الله كريم.. والبلد ياخي اصلو ما بتعدم المواصلات...!
- حرّم كان قعدنا أكلنا والمغرب أذّن علينا هنا تاني ما بنحصِّل إلا الساعة 12 بالليل!.
12- صباحية في ام بدة
12ـ صباحية في أمبدة
عندما استيقظت كانت الدنيا مشرقة بضوء الشمس و الساعة تقارب التاسعة صباحاً .. جعلت أنظر حولى و أنا لم أزل بعد مستلقياً على على العنقريب، كانت الغرفة خالية، و رأيت الحاج راقداً على عنقريبه واضعاً إحدى رجليه فوق الأخرى (خالِف كُراعو) وهو يسبِّح بصوت مسموع، وإحدى سبابتيه تسحب بقوة و سرعة و تتابع حبيبات مسبحته الطويلة والمعلقة بين إبهامه و الوسطى ... لا اله إلا الله .. سبحان الله... ماشاء الله كان منظراً بديعاً ... ألهمنى مزاجاً روحانياً بديعاً و نفحنى ببركات ربانية مهيبة .. و الكثير من الناس عندما يكبر على جهله و يُصِرّ على ما اعتاد عليه وهو صبي و شاب - و من شيب على شئ شاب عليه- تجده بعيدا ًكل البعد عن أمور الآخرة وحياة ما بعد الموت ... لكن حاج دفع الله الآن فى نهايات عمره قد تحول إلى راهب امتلاء قلبه بالإلهامات الروحانية... و ها هو لسانه يلهج بالاذكار السُنِّية الشريفة !.
كان صباحاً هادئاً شديد الإشراق محملاً بأنفاس الصيف الدافئة وقد سكنت أنسامه لتحل مكانها شيئاً من السخونة تندى الجبين وتجعل الجسد ينزف عرقاً , وشعرت وكأن نشاطي يتبخر وحيويتي تذوب مع أن الدنيا (صباح)... قاومت الكسل ونهضت جالساّ علي عنقريبي محيياً حاج دفع الله بتحية الصباح :
- صباح الخير عمي دفع الله... كيف أصبحت ؟!
- الحمد لله يا ولدى ... كيف حالك إنت؟!
لم يسترسل معي في أى حديث بل إستمر يردد في أوراده بصوت مسموع ... ثم تذكرت وصية ناصر ...( يازول ..! هسع الحاج ده بكون شرب شاى الصباح؟! ) وجعلت أنظر حوله جيّداً فإذا بي ألمح بجانب العنقريب كوباً زجاجياً من نوع (عثمان حسين) موضوعاً علي الأرض وبه آثار شاى اللبن وبجانبه (صِحين ) صغير عليه بعض بقايا رغيف ... رغم فَهْمي للأمر إلا أنني بادرته سائلاً للمرة الثانية:
- يا حاج شربت شاى الصباح واللا أجيبو ليك ؟!
- عووك.... شربتو بدرى خلاص!.. شربت شاى الصباح وأكلت معاه عيشة كمان... بارك الله فيك يا ولدي!
حمدت الله علي ذلك ..ثم عدت إلي حقيبتي الصغيرة وسحبتها من تحت العنقريب تناولت فرشاة الأسنان وعبأتها بالمعجون, ثم خرجت لأستاك ,حتي أكون جاهزاً لشاى الصباح, وبعد فراغي من السواك ذهبت إلي غرفة العزابة .. فوجدتها خالية تماماً ليس فيها أحد فالجميع خرج يطلب الرزق .. فالوقت تجاوز التاسعة صباحاً بكثير, إتجهت نحو الفرن فوجدت هجو مشغولاً مع عمال الفرن فحييتهم :
- السلام عليكم..!
- عليكم السلام .. أهلاً العوض .. تعال جاى!
وسحب كنبة صغيرة من داخل الغرفة التي يوضع بها العيش المنشول من الفرن, إلي الخارج وأجلسني في ضل الضحوية الذى كان رائعاً في صباحية ذلك اليوم الصيفي الحار .. ثم نادى بإحدى بائعات الشاى التي كانت تجلس تحت الشجرة في المربوع المقابل للفرن :-
- حاجّة عشّة كباية شاى مظبوطة للضيف ده ..!
جعلت أتناول الشاى وأنا أتأمل الحياة حولي هنا في هذا الحي الكئيب الجامد . فقريتنا علي صغرها تكاد تكون أكثر حيوية من هنا ! . إلا أن الذى يلفت إنتباهك هنا: هو كثرة عربات الكارو خصوصاً الكارو (أم عجلين) التي تجرها الحمير, وتبدو أنها مصدر رزق كبير ولشريحة هائلة من الذين يعيشون علي حافة الفقر !.. فلكي تعيش هنا في هذه البلد لابد أن تعمل! .. فإذا لم تعمل تكاسلاً أو تكبراً, أو لم تجد أى عمل بالمرة، ستجد نفسك عندها مضطراً لأن تسرق أوتنهب بشتي الأساليب والصور.. لا أحد هنا يصبر عي الجوع والفقر فالقليل من يذكر الفقراء أو يرحمهم !... ولم نسمع بأن أحدهم مرض أو ما جوعاً, فالكل يريد المال ولو بالطريقة الحرام .. والذين لايريدون الحصول عليه بتلك الطريقة قليل!..فالأكثرية يمنعها من ذلك العجز والخوف وصعوبة الحصول علي أموال الغير مهما اتبعت من أساليب المكر والإحتيال!, لأن الجميع حريص علي ماله حرصه علي حياته !.
بعد الشاي ذهبت راجلاً إلي سوق أم دفسو القريب, لأتناول جريدة أتسلي بها .. فأقسي ما يعانيه الشاب الزائر إلى مكان غير مألوف هو الشعور بالفراغ والعطالة .. فأي ساعة من عمر الشاب تمضي بدون عمل أو إنتاج تعتبر خسارة عظيمة ربما لا تعوض أبداً.. لإنها ساعة تملك فيها القدرة علي الإنتاج, و تستطيع أن تعمل فيها ما تريد مما يفيدك في شخصك ويفيد غيرك !.. إذا أهمل المرء ساعات شبابه ستنسرق وتتسلل ماضية إلي غير رجعة إلي حين نهاية مقامه في هذه الحياة الدنيا .. وستحل بدلاً منها ساعات الشيخوخة وإنتكاسة العقل والجسم, فتأتي الساعة وتتمني أن تنجز فيها أبسط المهام فتعجز بسبب الضعف . بل ستمر بك ساعات تعجز فيها عن القيام حتي بوظائفك الحيوية الضرورية!.
فساعات العمر الهرمة العاجزة والقادمة حتماً, تحتاج بالضرورة إلى أن تقدم لها من ساعات العمر الشابة الممتلئة قوة وحيوية !. فالذى لا يفطن إلي هذه السنة الكونية الثابتة سيندم ندماً شديداً عند كبر سنه ولكن حينها سوف لن ينفع الندم !.... لهذا عزيزى القارئ إذا كنت شاباً فاجتهد في العمل الحلال, وقدّم للسنوات التي سيدوم فيها العجز ويقل فيها الحول والقوة وهي لا محالة تنتظرك !.. وإذا كنت قاربت أن تفارق مرحلة الشباب أو جاوزتها بقليل فتدارك عمرك, وإغتنم ما تبقي من قوى شبابك.... وشئ خير من لاشئ !.... والإنسان في النهاية لا ينفعه إلا ما يملكه هو لا ما يملكه الغير . وكما يقول المثل: ما حك جلدك مثل ظفرك !.
تناولت الجريدة وأنا أتأمل عناوينها أثناء رجوعي إلي المنزل :
... وزارة التربية والتعليم السعودية تتعاقد مع نظيرتها في السودان لإنتداب 3 ألف معلم للعمل في المملكة .
...الطاقة والتعدين .. التعاقد مع شركات أجنبية لإستكشاف الذهب والبترول بشرق البلاد .
...إغتيال أكبر تاجر بلح بأمدرمان أثناء عودته لمنزله عشية أمس .
... الثروة الحيوانية والحياة البرية: الصيد العشوائي يهدد بإنقراض فصيلة نادرة من الطيور البرية ..........!!
7- نحو الفرن
7ـ نحو الفرن
لم أبتعد عن موضع بائعات الشاي بخطوات قليلة فإذا بآذان العشاء يدوي عالياً فتيقنت أنه عليّ أن أسرع الخطى حتى يمكنني أن (ألفى) الصلاة في مسجد البرقاوي الذي لا يبعد عن المنزل المقصود كثيراً, وكانت تلك نيّة طيبة, فبرغم شعوري ببعض الجوع, لم أهم أو أعزم على الجلوس إلى أحد المطاعم لتناول العشاء, لأنني بتناولي للشاي والقهوة أصبت بنوع من القَهَم وعدم الرغبة في تناول أي نوع من الطعام. فشكرت الله في نفسي كثيراً وحمدته أنْ تحولت نيتي من تناول العَشاء إلى الرغبة في أداء صلاة العِشاء! فأنا أعلم أنه إذا دخلت بيت العزّابة دون أن أغشى المسجد, فمصيري وجزائي سيكون (لا عِشا ولا عَشا) فإذا فُقِد العَشاء فالبركة في العِشاء! ... وصلت إلى الجامع وجلست إلى جانب مجموعة كانت تجلس حول (طش) كبير من الماء, وجعلت أتوضأ معهم, ولم أكد أبدأ في غسل رجلي اليسرى فإذا بالصلاة تقام أكملت وضوئي والحمد لله (لِِِفِيت) الصلاة بل لم تفتني حتى تكبيرة الإحرام وحمدت الله على ذلك كثيراً!.
إنتهت الصلاة فقمت وانتعلت حذائي وخرجت من الجامع قاصداً بين العزّابة.... في تلك الحارة لم تكن هناك كهرباء, وإنما "بوابير" تعمل بعد غروب الشمس إلى الساعة العاشرة من الليل, وفي أجزاء معينة منها ليس من ضمنها المكان الذي أقصده. أما ناصر صاحب الفرن الذي يعمل فيه مجموعة من العزّابة من أبناء القربة, فكان يستعين في أمر الإضاءة بالليل (برتينتين) رتينة للفرن وأخرى "للعزّابة" الذين يقطنون ملاصقين للفرن في نفس المنزل الذي لم يكن بعيداً عن المسجد الذي صليت فيه, وما أن تركت الجامع لخلفي, فإذا بي أتبين من بُعد ضوء الرتينة الساطع وهو ينعكس على عدد من عربات الكارو (أم عجلين) وبالقرب منها عدد من الحمير (المربوطة) أكاد أسمع طقطقة آذانها عندما يحرك إحداها رأسه بقوة يمنة ويسرة منتفضاً, ربما ليفتح مجاري أذنيه أو ليخلصهما مما علق بهما من حشرات وأجسام غريبة.... عندما إقتربت أكثر إشتممت رائحة بعرها وزبالتها المميزة! سؤال -ربما عبيط- لك عزيزي القارئ هل حدث أن وقفت ولو قليلاً قرب مربط حمار – أقصد مراحه والمكان الذي يربط فيه – أو حتى مررت به كعابر سبيل؟ إذا فعلت ذلك فلا داعي لأصف لك كيف هي تلك الرائحة التي تنبعث من (مراح الحمير)!, وبالطبع لكل مُرَاح رائحته الخاصة التي تميزه بحسب نوع الحيوان الذي خصِّص له!.
2- مبنى الجوزات
2ـ مبنى الجوازات
- هوي يا جماعة باقي نحن بعد ده ماشين على الجوازات... ومتى ما انتهينا بنغشى معانا حاج عبد الواحد نشيل منو مكرفون الجامع الرسلوا الرّضي من السعودية!.
- خير تب..! ، لكن عاينو جاي الليلة مو يوم الأحد..؟ التلاتا العصر خلاص نحن بنقوم على الحلة والبتأخر ما يلومنا.... كلامي دي مو واضح؟.
- يا حاج عبد الفضيل كلامك حرّم ذي الشمس... كان اتهونت الثلاثاء الصباح فجر تلقانا معنقلين في اللوري!.
هذا الشخص الذي يدعى السر ود المليح معروف بأنه مكار وصاحب (مقالب) وقد حذرني ابن عمي حماد كثيراً منه:
-هوووي أعمل حسابك من أبـ رِويس ده.. أوعى يمقلبك ولّى يورطك في مصيبة!
- يا ودعمي بعد العمر ده كلو ذي السر ده بورطني؟!.
- يا زول ها..! انت السر ده ماك خابرو ساي! الزُوِيل الهُوَيِّن الشايفو ده دخل ناس السجن وهو مرق ساي براءة!.
هذا الكلام جعلني أتخذ الحيطة والحذر, رغم أنني في غرارة نفسي كنت مستبعداً أن تبدر منه أي بادرة للغدر أو الخيانة, وذلك لسبب بسيط وهو أننا الإثنان معاً الآن نعمل لأجل مهمة مشتركة يتوقف عليها مصير مشترك لأجل تحقيق مصلحة كل منا يحتاج إليها، ولأننا بقينا الإثنان فقط في الحِلّة بعد أن سافر جميع أقراننا إلى دول المهجر وأصبحنا الوحيدين الذين بقيا مع الذين(يحرسون العَقَاب).
وصلنا إلى مبنى الجوازات والهجرة حوالي الساعة الثانية عشر ظهراً. وقبل أن ندلف إلى داخل المبنى فإذا بأصوات تصيح بنا – ذكرني بصياح الكماسرة وسماسرة الركاب في مواقف المواصلات:( تعالوا جاي تعال يا الاخو بجيِّهك!) عندما التفت نحوهم شككت في أننا قد ضللنا المكان المقصود:
- إتْ يا السر نحن جينا هنا بالغلط... دي ما الجوازات ولا شنو؟ ، البكان ده باقي لي ذي البوسطة!!.
- اتْ جنيت ولا شنو يا العوض ده بكان الجوازات والجنسية!.
- طيب أعمامك القاعدين وخاتين قدامن ترابيز ديل الجابن شنو؟
- ديل دايرين يترزقوا من الدايشين... غايتوا مننا ما ظِن بلقولن حاجة...! كدي ورح وراي.
توجهنا عبر البوابة – التي يقف على أحد جانبيها عسكري طويل أشيب كثيف شعر الشارب – إلى داخل المبنى الذي كان مكتظاً بالناس, وهم يقفون في صفوف عديدة وطويلة وعسكري آخر شاب (حقّار) يحمل بيديه عصي بلاستيكية سوداء ينظم الصفوف يضرب هذا ويدفع هذا وينهر ذاك:
- ياكي ما تَكرِّب سَف أقِيف في سَفْ أديل...! انت ما تَسْما كلام أنا ولا شنو؟!
لم تعجبني تلك (الزحمة) ولم يرق لي منظر الناس وهم يتدافعون ويشتم بعضهم بعضاً:
- يا زول هـــوي انت ما كنت في الصف..! ما شفتك أصلو.. جيت من وين؟!.
- ياخي هسع أنا كنت هنا.. بس مشيت شربت لي موية من الزير القدامك ده!
- هوي ما تستهبل علينا... خلقتك دي ما شفناها أصلو في الصف, نحن من دغش الرحمن واقفين جايين إنتو نصاص النهار دايرين تقابلوا قدامنا!.
ويستمر العراك الكلامي إلى أن يتدخل العسكري ليحسم الأمر لصالح الظالم على حساب المظلوم الذي هضم حقه بسبب شربة ماء كان في أمس الحاجة اليها.
كرهت هذا الشيء الذي يسمى (جوازاً) من قبل أن أستخرجه, وقبل أن أعرف كيفية طريقة استخراجه!. بل وكرهت نية السفر إلى العراق, وأصبت بالكثير من الإستياء والإحباط, برغم أنني لم أتلقي بعد في ذات نفسي أمراً أو شيء من سوء معاملة من أي أحد داخل هذا المكان يدعوني لأن أحبط أو أستاء لكن ما كانت تراه عيناي وتسمعه أذناي, كان كافياً لأن يؤثر على طبيعة إنسانية نشأت في الهدوء والبراءة وتربت على السماحة وحسن المعاملة!.
- يا السر اخوي ده محل شنو الجبتنا فيهو ده... على القسم كان الجواز ما بطلع إلا بالطريقة دي لا عاوز جواز ولا لخمة... هدا طرفي منو!.
ضحك السر من كلامي وتعجب من إنفعالي بما يجري هناك من أمور قد اعتاد هو عليها, وأنا لأول مرة في تاريخ حياتي أشهدها واقف أمامها!.
- يا العوض اخوي صلي على الرسول...! أسمعني جوازك وجوازي ديل انا بعرف اطلعن كيف.. قسم لا بوقفك صف ولا بدخلك مكتب بس انت أصبر لي! لوك الصبر ياااا ود العم....!.
أثناء وقوفنا الإثنين وأنا تغمرني الحيرة واليأس, كنت أفكر في كيف سيأتي دورنا مع هذه الجموع الغفيرة لنستخرج جوازينا, وأما السر فكان يتمطى وأحياناً يقف على أمشاطه, وتارة يمد عنقه وهو يحاول أن يميز شخصاً ما داخل المكتب عبر الشباك الذي يجلس قبالته الموظف الذي كان يستلم أوراق ومستلزمات إستخراج الجواز من الذين يصطفون أمامه واحداً واحداً. وبينما كنا نقف كذلك بجانب أحد الصفوف بالقرب قليلاً من شباك الإستلام إذا بالعسكري يصيح بنا:
- هوي انتو أقيف بييد.. يا أمش أقيف آكر سف هناك... ولا أتْلا برة ما تكَرِّب لينا نزام!.... شوف ناس أجيب ديل....؟!.
إقترب منه السر وجعل يهمس في أذنه بكلام لم أسمعه ودس في يده شيء ما لم أتبينه جيداً -أظنه شئ من المال – يبدو لي أنه مبلغ صغير! لعلمي بشحه وحرصه الشديد على المال, وهو لا يكاد يعطيك شيء إلا ويأخذ أضعافه, لذلك تراه لا يقبل ولا يرضى أن يوقفه شيء في سبيل ما نواه من أهداف, فقد يجازف بماله ويخاطر بنفسه, لأنه يعرف جيداً كيف سيستعيد ماله وكيف سيخلص نفسه إذا وقع في مأزق أو ورطة!. أدهشني أمر ذلك العسكري الذي كان ينظم الصفوف, والذي يبدو لي من سحنته وملامحه من أبناء قبيلة..... – لا داعي عزيزي القاريء لذكر القبيلة فنحن شعب معقد وحساس جداً خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقبيلة أو السحنة– فبعد ما كان هائجاً ثائراً يلوح نحونا بـ (بسطونته) فإذا به يبرز أسنانه التي صقلها (الصعود) و(المريسة) طلاءً أحمر وآخر أسود, لعلنا نفهم بعد كل ذلك الجهد أنه يبتسم وسيقدم للسر الخدمة التي طلبها طالما ضمن من المال ما يجلب له (عبّاراً) أو (حق الصعود) على أسوأ تقدير!!.
أخرج وريقة من جيبه:
- قلتا لي اسما منو...؟؟
- التوم ود سعيد .... التوم سعيد.
- توم سييد .... كلاس!!.
ذهب مسرعاً نحو الباب الجانبي في الجهة اليمنى للشباك الذي يطل منه موظف الجوازات الأول.. يريد أن ينجز المهمة قبل أن (تجوط) الصفوف وتخرج من سيطرته : بالفعل دقائق معدودة فإذا به يعود في سرعة البرق ومعه شخص قوي البنية أصلع مشلخ, أما شاربه كما يفهم ذلك الوصف أبناء الجزيرة : (مفتاح كبري) ما إن وقع نظره علينا فإذا به يحتضن السر:
- وين يا ود المليح... كيف حالك ؟!وكيف أبوك وكيف أهلك كلهن؟!!.
بعد السلام والسؤال أخذنا إلى أحد المكاتب الطرفية الهادئة وكان بارداً وجيّد التهوية, وأذكر مروحة السقف الضخمة والتي قرصها الذي يقابل الأرض(طارتها) لا أجد إلا أن أشبهها بأحدى (حِلَلْ الملاح) الكبيرة! وجعلت أفكر كيف إذا سقطت هذه المروحة على رأس أحدنا وهي تتحرك بتلك القوة والسرعة مصدرة بذلك أصوات مزعجة ومخيفة (كَرْكَبْ كركب)! وأحياناً (سيك سيك), إذا فطن إليها صناعي حازق بالتأكيد سيحكم بأن هذه المروحة تحتاج إلى تغيير(بلي) ثم إلى تشحيم شامل!.
أصر عمّنا أن يطلب لنا فطوراً, ولكن بعد منازعة وجهد جهيد أقنعناه بأننا تناولنا الفطور وأتبعناه بالشاي والقهوة وغيرهما مما كان يستلزمنا من مكيفات:
- خلاص يا ولد أمشي جيب بيبسي ومعاهو موية باردة!.
- ما كان في داعي يا عمي التوم الحالة واحدة ياخْ...
وأخذ السر يشرح إلى عمنا القصة باختصار ويبين له الغرض الذي جئنا لأجله, وإننا ننوي السفر للخارج وأننا الآن بصدد استخراج جواز أولاً قبل الشروع في مسألة التأشيرة والتذكرة وما يتبع ذلك من الإجراءات والأشياء الأخرى.
ضحك عمنا ضحكة شبعانة...!:
- يا أولادي كدي فكروا بالعقل دايرين تجيبوا شنو من برة..؟ بلدنا دي بي خيرا !... البلد دي واسعة ورزقا كتير بس دايرة الرواقة وطولة البال..!
- يا عمي التوم أمانة عليك دي بلد واسعة؟.. يا خي دي بلد مـ......خلّيها في سِرَّك! و الرزق البتقولو فيها ده هبوب ساي.. يخربا الحباية مافيها!!.
انفجر التوم ضاحكاً بأعلى صوته رامياً رأسه خلفه على حافة الكرسي العليا وهو غارقاً في الضحك:
- غايتو انت يا ولدي السر عليك جنس مسخة بس جبدك خالك الأحيدب!.
لا أكاد تهدأ أعصابي قليلاً ويعتدل مزاجي فيأتي دور السر – العليهو التكل – ليغيظني بعباراته القبيحة, وأوصافه البذيئة التي لا يجدر به أن يتفوه بها أمام شخص محترم مثل حاج التوم, ومكان يجب أن يكون هو الآخر محترم.وكان قد فعل كل ذلك, ليعبر إلى عمنا عن مدى إستيائه وعدم رضاه بما هو عليه من حال سيء وأنه لابد من السعي بأي وسيلة للخروج من هذا الواقع المخجل, الذي فُرِض علي نفسه فرضاً وأجبر عليه اجباراً. ولا حلّ هناك أنفع لهذه الأشكال سوى الهروب من هذا السجن الذي لا يرحم سجانه ولا أمل في أن تفتح مغاليقه!.
أما إذا قلت لك في ماذا كنت أهتم أو أفكر وقتها, لا شك ستظن أنني خارج الشبكة ,كنت أريد من السر أن يحسن ألفاظه القبيحة وأن يتكلم بأدب أو ليتوقف بالمرة عن ذلك الكلام الفارغ البذئ!.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)