إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

19-غادرنا حلة الخرطوم



19ـ غادرنا حلّة الخرطوم!



    نقر جِدُّو علي الإستارتر وداس بقدمه بعنف على الابنص, فبدأت ماكينة اللوري تصيح وتئن, وصارت الأدخنة تتصاعد عالياً خلف العربة لفترة من الزمن, بعدها بدأ كل شيء يهدأ... صوت الضجيج والكركربة الصادر من الماكينة هدأ قليلاً والأدخنة بالكاد نراها, بعدها تغير الصوت الذي يخرج من الماكينة إلي صوت آخر تماماً أكثر رقةً و دفئاً!. بدأ اللوري يتحرك منساباً يتخطي شوارع وأزقة سوق الجمعة, مودعاً سوق البصل ومتباعداً عن (حِلَّة الخرطوم ) وعندما تركناها خلفنا تماماً صار الجميع يشعر بالراحة والطمأنينة !.
كان الجو حاراً خصوصاً وأن النهار قد انتصف, فأشعة الشمس تنزل شبه عمودية علي رؤوسنا ونحن علي متن اللوري المكشوف . والتيارات الهوائية القوية المتولدة جراء السير السريع للعربة, كانت تضرب بقوة علي أجسادنا وهي (سُخنة) وحارقة, فالمسألة صارت أشبه بسموم قوية الإندفاع تهب علي ركاب اللوري (الغُبُش)! لذلك تلفّح الجميع بشالاتهم حتي يقوا وجوهم وأعينهم من لفح السموم التي كانت تضرب بقوة علي الأجسام خصوصاً الرؤوس التي تمثل أعلي قمة في الجسد, حيث أنها تكون في مستوي من العلو تتزايد فيه قوة وشدة الرياح الساخنة, والتي تصطدم أول ما تصطدم بالرؤوس .. فقمت بوضع نظارتي السوداء علي وجهي واستخرجت شالاً صغيراً تلفحت به, فالمسألة لم تكن بتلك البساطة التي تتصورها بسبب وصفي غير االدقيق هذا !.
وصلنا مدني بعد العصر بكثير, وكان لابد  لنا من توقف طويل بعض الشئ في هذه المحطة المهمة والأخيرة, فهناك الكثير من الأشياء التي لم يشتريها البعض من الخرطوم بعد بيع  بضاعتهم وقبض ثمنها, وذلك بسبب فارق الأسعار خصوصاً محاصيل الطعام الرئيسية كالذرة والويكة والعدسية, وحتي القمح الذي لا يميل إليه أهل الجزيرة  كثيراً في تلك الآونة من الزمان.. توقف اللوري بالسوق  الكبير ونزل الجميع البعض يريد التسوق والبعض الآخر يريد فقط أن ينظر ماذا يجري في السوق, وبالطبع كنت أنا من ضمنهم لكنني فجأة تذكرت إخوتي الصغار عباس ونعمات اللذين لا يتجاوز أكبرهما السادسة من العمر, فعندما تخرج مثلاً من البيت قاصداً المدينة, أو ذهبت إلي (سَفْرَة) طويلة كهذه, عند عودتك لابد أن تتذكر الأطفال الذين معك في المنزل, فإذا حدث أن نسيت أو تجاهلت الأمر ولم تأت لهم بما يحبونه من بعض الحلوي أو الفاكهة, عندها سوف لن يرحموك, بل يمطرونك بالأسئلة المحرجة دون أن يعذروك, هذا إذا لم يتحول الأمر إلي بكاء وعناد شديدين إحتجاجاً علي قدومك من المدينة خالياً صفر اليدين, دون أن تستجلب لهم معك بعض الذي يفرحهم  (ويبسطهم) من الحلوي والموز!.
ولكي لا يتكرر معي مثل ذلك السيناريو السخيف, قمت بشراء بعض
الحلوي والبسكويت وخبأتهما داخل الحقيبة . بعد ذلك أشتريت  عدد اثنين كيلو من الموز الجيّد وبعض الرغيف الآلي الذي ظهر جديداً في أسواق مدني, وكان إخوتي هولاء يحبون الموز جداً وكذلك الرغيف الآلي لذلك لم أتغافل عن شرائهما !.
صلينا المغرب بسوق ود مدني الكبير, بعد ذلك تحرك بنا لوري عبدالفضيل في نهاية رحلته نحو القرية والظلام  قد بدأ يلتف حولنا. كان اللوري يسير بمهل في طرق الجزيرة الضيقة والمحاطة بالترع والحواشات من كلا الجانبين, كما أن بعض الطرق تحولت إلي مستنقع من الطين والماء العكر بسبب فيضان الماء من الترعة التي أهملها الخفير, أومن الحواشة حين يتم ريّها بعشوائية وإهمال فيضطر اللوري المسكين خوض ذلك الوحل الذي يضر كثيراً بماكينته!، بسبب كل ذلك وغيره مما لم أذكره, فقد وصلنا إلي قريتنا الميمونة متأخرين بعض الشئ - بعد أن صلي الناس العشاء بوقت كثير جداً- ....



اليكم اعزائي القراء هذا الرابط الهام:-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق