إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

14- السر يعود





14ـ السِّر يعود

   يبدو أن النوم إمتد بي إلي زمن طويل .. لم أستيقظ إلا بأصوات الضحك العالي والونسة!… لقد كانوا يتحدثون بأعلي أصواتهم ويصدرون الضحكات العالية وهم يقهقهون دون إكتراث لهذا الآدمي الذى ينام بجانبهم .. وعندما فتَّحت عيناى ونظرت إلي مصدر الأصوات فإذا بالسر وهجو يجلسون علي الأرض أمام عنقريب عم دفع الله الذى كان يشاركهم الونسة, وبقدرما فرحت بمقدم السر بقدر ما شعرت بالغيظ والحنق عليه . مافائدة مقدمه في هذا التوقيت ! الساعة تجاوزت الثانية ظهراً  ثم أنني لم أكترث للأمر وقلت لنفسي دع  الأمور تمضي كما قدر لها, فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .. وجعلت أتمطي وأتمغّي وأنا مازلت راقداً مصدراً أصوات التعب والإرهاق وأتبعت ذلك بتثاؤب مسموع ملؤه الكسل والخمول ففطن لي السر وأيقن أنني قد إستيقظت ...   فقام نحوى :
- أخوى العوض .. كيف يازول شنو ياخي النوم ده !
- قسم انت أكتر زول نوام شفتو في حياتي ! جاييني الساعة اتنين؟… أحسن كان تجيني المغرب عديل! هسع غرض واحد ما بنقدر نقضيو…!  بكرة نرجع الحلة ذى ما جينا!.
 تحدثت إلي السر بلهجة غاضبة ولائمة لانه بدا لي يتصرف دون إكتراث، ولمته كثيراً علي تأخره هذا وأوضحت له أن قضاء أى مهمة لدى المصالح الحكومية يحتاج إلي البدار والتبكير ومع كل هذا ليت ذلك يجدى وفهم السر قصدى :-
- شوف يالعوض أنا الليلة أول زول يدخل محل الجوازات عمك موسي قابلتو ليك في البوابة قبال يخش مكتبو وقال لي عشان الموضوع مايجيب شمشرة : ارجع وتعال لي في البيت بعد العصر عشان يسلمني الجوازين جاهزات! .
كدت أطير من السرور والفرح ونهضت من العنقريب وجلست بجانبه في السجادة علي الأرض:
- السر كلامك ده بالصح واللا بتهدرش معاى ساى؟!
- أفو يا العوض ده كلام فيهو هزار...؟  واقولك كلام  قروش الجوازين  جاهزة!.. أها شِن قولك؟!
- والله يا السر الله يجعل فيك البركة .. لكن حيرتني الـ 40 جنيه قدرت تدبرا كيفن؟...دي قروش كتيرة خلاص!.
- هوى العوض.... أنا ما بدرى كلمتك قلت ليك مسعلة القروش ما شغلتك!...وتاني  ما تكتر لي فيها الكلام!... وانت متي ما ربنا سهل عليك تدفع لي قروشي ما ساكيك فيها... وانا كان ما واثق فيك ما بدخل معاك في حتة ذى دى من البداية!.
  حمدت الله علي ذلك ورأيت أن السر محق فيما يقول, فما دام أمر المال قد تم تدبيره -وهذا هو المطلوب- لأنه كان يمثل المشكلة الوحيدة والعويصة التي طالما رجونا حلها وها نحن الآن قد تجاوزنا مرحلة الشأن المالي !, فلا داعي إذن في الخوض في أمور قد لا تعنيني فيما يتعلق بمسألة من أين وكيف قام السر بتدبير هذا المبلغ الكبير وفي زمن قياسي, فإذا كان هناك ثمة ما يعنيني فيجدر به أن يكون في كيفية رد هذا الدين الثقيل إلي صاحبي الذى ساعدني في هذه المهمة الصعبة :
- كلام عديل تب يا السر أها نمشي نستلم متين؟. 
- يا زول بنصلي العصر وطوالي بِنمرق عليهو... وانا كلمتو وقلت ليهو الليلة بايتين معاك أنا والعوض..!
هنا تدخل هجو عندما طرق سمعه كلمة المبيت مع عم موسي:
- ياجماعة انتو قلتو لورى الحلة قايم بكرة الضهر... عشان كده  الليلة بيتو معانا ياخي نحن لسه ما كملنا معاكم الونسة.... وزولكم بتاع الجوازات ده أمشولو بكرة الصباح فجر..!
   ضحك السر وضرب علي كتف هجو فقد كانت بينهما صحبة طويلة وقديمة رغم فارق السن بينهما, وعندما يلتقي هذان الإثنان يكادا يقيما الدنيا ولا يقعدانها .. فتراهما يتحدثان ولا يتوقفا عن الحديث . ويقومان بسرد أقاصيص ومغامرات يشيب لها الرأس وتحتار في نفسك لأمر هذين الشخصين اللذين يبدوان أمامك عاديين بل وقد تسخر لهيئتهما وتستحقر شأنهما :
- حرّم يا هجو الونسة معاك حلوة .. والقعده معاك لذيذة .. لكن الدور دى جايِّ مغروض خلاص  وعندى حاجات كتيرة دار اقضِّيها . بعد ما اقضيها وأمشي الحلة بجيك مخصوص من هناك...!
- ما بتقصر .. يا السر .. علا لكن ما وريتني انتو صحي مسافرين بلاد برة انت والعوض ولّى دي وهمة من وهماتك الكتيرة ديك؟!
- يا زول وهمة شنو وكمان ناوين نمشي العراق!
يا ناس انتو نُصاح ولّى مجانين؟! ... أوعك العوض تمشي مع الزول ده العراق خليهو يمشي براهو ... البلد ديك أسعلني منها أنا قضيت فيها تلاتة سنة مرقت منها ساى ...ياخي بلد كلها سكر وعربدة وكلام ما كويس! ...نصيحتي ليك يا العوض أحسن تمشي السعودية ولّى  ليبيا... لكن العراق دي ما بتنفع معاك إنت زول مولانا ما اْتَّابع السر المسلَّط ده!.
   أضحكني بذلك وشكرت له ذلك الظن الحسن الذي ظنه بنفسي، وعجبت كثيراً لمفهومه الضيق وعقليته الساذجة, فالأمور المتعلقة بالتجاوزات الأخلاقية والإنسانية ليست متعلقة ببلد معين دون  الآخر,كما ليس لها إرتباط بشعوب بذاتها دون الأخرى, فكل وطن علي وجه الأرض طالما هو مأهول بالجنس البشرى لابد أن يوجد فيه الصالح والطالح ولا مفر من ذلك...! والخير والشر موجود في كل مكان وزمان ولكل رواده وأنصاره , فطالب الشر من الفواحش والكبائر سيجده حتي لو كان ذلك في بلد تطبق فيه الشريعة الإسلامية!, وفي الجانب الآخر فإن الذى يقصد الخير من العفة والورع والكسب الحلال سيجده ولو في بلد إباحي علماني لا يؤمن بالدين ! . فالعبرة ليست في ذات الشر أو ذات الخير وإنما العبرة في الذى يطلب الشر ويجتهد بكل ما أوتي من إمكانات في سبيل الحصول عليه . وكذلك الحال في الذى يرغب في الخير ويحب أن ينال من فيضه ونعيمه. فالعبرة في نهاية الأمر وغايته في نفس وذات الإنسان وليست مرتبطة بتاتاً لا بالمكان ولا بالزمان, فهذه الأخيرة عبارة عن ثوابت والإنسان عرض يمكنه التغير والتلوُّن بحسب ما يحلو له ويصفو!.
- عليك الله يا هجو اخوى الزول كان داير السكر والكلام الفارغ ...هسع ما بلقاه في بلدنا دى وفي المكان القاعدين فيهو ده! ...
قاطعني هجو :
- انا ما بقولك مافي ... نعم في...!  لكن هنا شوية متصعب ...لكن هناك انت ما شفت ساى ....الحكاية ساهلة شديد ولا في زول بسألك ولا في قانون بعاقبك . والنفس دى ياهجو كعبة .. حرّم كان مافي قانون قَرَعَا لا بْتَنْقَدِر ولا بْتِتْحَاش!.
- شوف يا هجو الزول البتغمِس في الحاجات الكعبة دي ...معناها زول ما عندو هدف ولا عندو عقل ... لانو الواحد بِتْغَرَّبْ ويسافر بره البلد عشان هدف واحد بس ! عشان يحسن وضعو المالي . والزول البضيع قروشو في السكر والعربدة معناها زول فاشل ومافي فايدة  من مرقتو برة البلد!.
- العوض هــــوي كلامك ده قالو ناس كتار قبالك ....لكن لامَن مشو العراق هناك وبقو أمام الامر الواقع .. اتغيرو وبقو ذيّهم وذى الناس.... ومن عاشر قوماً اربعين يوماً صار مثلهم !.
هنا تدخل السر بعد أن ضحك الجميع لمزاعم هجو تلك :
- هوى يا هجو ما تبقي زول مُخَزِّل .. نحن طالعين برة البلد دي بي راي وهدف ....ماشين عشان نجيب قروش .. انت الظاهر عليك مشيت العراق عشان حاجات تانية ما كان هدفك القِرِش عشان كده مرقت منو ملوص ساى !.
- حرّم كضاب ... قسم البلد ديك مليت منها قروش.... عِلّا لكن القسمة ساى ... والنصيحة كده بارينا الفارغة.... وفوق ده كمان انت عارفني يا السر انا زول كريم والـ في ايدى ماهيلي!.
قاطعه السر: 
- خصمتك يا هجو ... ما تحرض العوض ده عليّ .. ياخي نحن دايرين نترفّق ... ياخي مالك ومالو ؟.. ما تبقي زول حسود !.. وانت متين اتعلمت تنصح الناس ؟!.
إبتسم هجو ابتسامة ساخرة وماكرة, ثم صمت قليلاً وقد طأطأ رأسه نحو الأرض وهو يفكر :
- والله يا العوض ويا السر أنا بتمني ليكم الخير من قلبي!  ما عندى أى قَصِد .. وكان جينا للحق المال قسمة وأيِّ زول بي رزقو.... وربنا يوفقكم وانشاء الله تمشوا العراق بالسلامة وتجونا سالمين وغانمين قولو آمـــــين !.
- آمـيييــــــــن !
قلنا ذلك بصوت واحد ممدود وممطــــــــوط !
ثم أنّ أن السر شبّك أصابع يديه خلف رأسه متثائباً :
- يا جماعة هـــوي أنا نعست نعاس شديد داير آخد لي نومة خفيفة كده..! ويا العوض صحيني أذان العصر كان النومة جرّت!.



اليكم اعزائي القراء هذا الرابط الهام:-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق