10ـ ناصر ود المقدم
فجأة أطل شخص نحيف أسمر له شارب كثيف يحمل فى إحدى يديه قارورة خضراء اللون معبأة بسائل ما .. عرفنى و ميّزني من لحظة دخوله الغرفة الصاخبة التى هدأت فجأة بمقدمه و أحتضننى و سلَم عليّ سلاماً حاراً مرحباً بى :
- كيفنك يا العوض حبابك الف .. شرّفت و نورّت ..!
و بعد السلام والحديث معى لعدة دقائق ... إلتفت نحو الشلة التى أنهت اللعب و أوقفته تماماً ..
- يا جماعة جهزتوا العشا ولَّى لسع؟! ... و الضيف ده إنشاء الله تْكونوا أكرمتوه ولا ضيّعْتُولو حق الضيافة حقَُو ساي...!
عمّ الصمت الجميع، و هرع كل منهم ليؤدى مهمة اعتاد على القيام بها عند قدوم هذا الأسد الضرغام الـ (عينو حمْرَة و شرارة) و لم يبق سوى الذين يمكن أن تعتبرهم (عجايز) و لا يقدرون على مهمة خدمة الآخرين، بل هم أنفسهم يحتاجون إلى من يخدمهم ثم أجاب أحد القعود ممن أرهقهم كبر السن وتوارد السنين:
- صراحة الضيف ده ما قدمنا ليهو أىّ حاجة إتلخمنا باللعب و الونسة . لكن ما طول منْ ما جا...! ما تمَّا لو ربع ساعة..!
- عيب! .. عيب كبير .. عشان يعني ود حلتكم حقرتو بيهو؟!... كان اتعودتو على الكلام ده.... تاني بتعملوها مع الضيف الغريب ... وتبقى لينا ضربة وشْ !.
- حرّم انا جيت مجيّه تب و ما إحتجت لى أى حاجة .. و الحالة واحدة و أنا ما زولاً غريب!
لم يجبنى و التفت نحو هجو :
- وانت يا هجو كنت برضو بتلعب ؟ ....المطاميس ديل عرفنا الفيهم ....! خبارك كان اتناولت لك قزازة ببسى ساى من دكان البرقاوى الحداك ده ؟ !
وبذلك وضع هجو فى موقف حرج ... و شعرت أنا الآخر بالحرج و (الإنكساف ) فالرجل كان يتحدث بجديّة وغضب معيباً على الشلة إهمالها لحق الضيافة لى بينما كنت أنا نفسى أعتبر أن الأمر عادياً و ليس هناك ثمة مشكلة أو ما يدعو للغضب . و استمر (الدود النتر) يفرغ على القعود جام غضبه و توبيخه وهو يلقى عليهم دروساً و محاضرات فى حقوق الضيف، وواجبات احترام الزائر من الضيوف وضرورة إكرامه و التفانى فى خدمته حتى لو كان كثير الإطلالة مألوف الطلعة!... و عاب عليهم هذا التقصير و الإهمال فى حقى الشرعى من واجب كرم الضيافة و الحفاوة ، و اعتذر لى عن ذلك نيابة عنهم! بل و عاب علي لِمَ لَمْ أُوبِّخهم على هذا التصرف المشين !
- العوض أخوى أعفا لينا .. الجماعة ديل قصرو شديد في حقّك ... واتلومو خلاص معاك !.
- لا لا والله!... على القسم ما اخدت فيها أى حاجة!
- هوى ده كلام شنو يا العوض .. أنا كان فى محلك بشتت ليهم الضمنة .. و بشرط لهم الكشتينة .... ديل ناس غجر ساى .... عليك الله ناس يجيهم ضيف يقعدو يلعبوا !
ثم قام متوجهاً نحو غرفة (مُطَرِّفة ) خاصة به – كما تكون قد فهمت ليست هذه المرة الأولى التى آتى فيها إلى هذه الدار – و أشار إلىَّ :
- قوماك وراى يالعوض المقعدك شنو فى الكوشة دى ...
تبعته دون إعتراض أو تردد فالرجل كريم و قوى الشخصية، فلا تملك إلا أن تطيعه فى كل أوامره طاعه عمياء.... تماماً كما يفعل تلميذ صغير مع أستاذ قاسى غليظ الطباع!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق