20ـ وصلنا القرية
بعد أن توقف اللوري نزلنا وسريعاً تفرق الجميع داخل الحلة كل يقصد منزله . وعندما حملت حقيبتي وكيس الفاكهة التي استجلبتها من السوق قاصداً منزلنا ناداني السر :
- اسمع العوض عليك الله باكر اغشاني الصباح في البيت عندي معاك موضوع مهم !.
- يازول موضوع شنو دا البتغشاك ليهو من الصباح ؟ !
- انت مالك يازول .. لامن تجيني بتعرفوا شنو !!
- انشاءالله .. كان اصبحنا طيبين .. بجيك تب ...!
عندما دخلت فناء البيت وجدت كل شئ نائم وصامت, عدا أمي وأبي وهما يتناولان طعام العشاء !
- السلام عليكم ....
- هي سجمي .. العوض ولدي جا ..!
- حمد الله علي السلامة العوض ولدي .. تعال جاي اتعشا معانا
سلمت علي أمي وأبي ثم جلست بجانبهما اتناول معهما طعام العشاء, ودارت بيننا ونسة طويلة, حكيت لهما فيها عن كل تفاصيل الرحلة, وقد فرحا كثيراً عندما علما بأمر جوازات السفر وتيسر الإجراءات وشكرا إلي موسي ود سعيد خدماته تلك ودعوا له بالبركة . ومع ذلك فقد كان أبي غير متحمِّس إلي فكرة سفري إلي الخارج هذه ،لا سيما إلى العراق, فالأمر يحتاج إلي الكثير من المال والجهد ، ويتطلب أن تتحمل الأسرة ما لا تطيق حتي يصبح الفرد مهيئاً وجاهزاً للسفر ، ابتداءاً من الجواز إلي (تذكرة الطائرة), ثم أنه غالباً ما يكون الإغتراب إلي هذا البلد بالذات غير مجدي ولا فائدة من ورائه ، ويتبين ذلك جلياً من حال الذين ذهبوا إلي هناك وعادوا, أو الذين ما زالوا مقيمين هناك يجنون الخزي وخيبة الأمل ، ولا يستثني من ذلك سوى بعض الحالات الشاذة والتي لم تجني سوي ثروة متواضعة ليست بكثيرة ولا تلفت الأنظار . أما أمي فقد كانت من المشجعين لي إلي السفر والإغتراب وهي التي كانت تدفع بأبي ليجتهد أكثر حتي يساعدني في ذلك . وكانت تتفاءل أن يحالفني الحظ هناك وأصبح فجأة ما بين ليلة وضحاها من الأثرياء ، وذلك بعكس أبي الذي كان ينظر إلي موضوع سفري هذا نظرة تشاؤم وحذر وخوف من المجهول !.
تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً عندما استلقيت مجهداً علي عنقريبي وبملابس السفر، ولم أُفِق بعدها إلا بإخوتي الصغار وهم يوقظونني من النوم وقد كادت الشمس أن تخرج من الآفق :
- العوض قوم ورينا جبت لينا شنو من الخرطوم...؟!
نهضت جالساً علي العنقريب وسلمت علي الصغار بشوق شديد وأنا أضمهما إلي صدري, ولم ألبث قليلاً حتي ذهبت إلي حقيبتي واستخرجت الحلوي التي أستجلبتها لهما من السوق ووزّعتها بينهما, بعدها بدأت أتهيأ لصلاة الصبح التي كادت تفوتني لولا هؤلاء الصغار المبروكين !.
تناولت شاي الصباح وحدي مع أمي وإخوتي الصغار, فوالدي ذهب مبكراً إلي الحوّاشة ومعه أخي الذي يصغرني مباشرة, وقد استغربت لماذا بكرا بالخروج إلي (الخلا) في مثل هذه الأيام, لأنه ليس هناك عمل يذكر سوي مراقبة العمّال الذين يقومون بجني القطن من (اللّقاط) الذين يقدمون إلي المشروع في مثل هذا الموسم يطلبون أرزاقهم من العمل بلقيط القطن, ويمتد بهم المقام بالمشروع إلي حين جني القمح لينالوا نصيبهم منه بعد حصاده . لذلك لم أفكر بالخروج إلي الحواشة بعد فراغي من تناول الشاي ، بل أطلت الجلوس مع أمي أتفاكر معها في كيفية تدبير مبلغ من المال أستعين به في أمر السفر, فقد وعدتني من قبل عقب سفر ابن عمي سالم إلي العراق قبل أكثر من عامين, بأنها مستعدة لبيع حُليِّها إن أنا إقتنعت بفكرة الإغتراب لاي دولة كانت, إذ أنني كنت في البداية رافضاً تماماً لمسألة الغربة هذه, ولزمت البيت أساعد أبي في الحواشة, وبمرور الزمن مللت (ملّيْت من قُعاد البيت !) وبدأت فكرة الخروج من هذا السجن الحنون والممل تعشعش في رأسي, إلي أن جاء السر ود المليح وقلب الموازين رأساً علي عقب ، ونقل هذه الفكرة من حيز الأمنيات والهزل إلي طور الجدِّيّة والتنفيذ ، فها أنا ذا من بعض ما جنيته وادخرته من مال - خلال عملي بالحواشة- استخرجت جوازاً, لكن تبقي الكثير من الإجراءات الأخري التي تحتاج إلي المزيد والكثير من المال الذي أجهل كيفية تدبيره في تلك الفترة الوجيزة الضيقة التي ضربها السر . لا أدري لماذا هل نست أم لأمر ما.... لم تتعرض أمي إلي الحديث عن حُليِّها لامن قريب ولا من بعيد, حينما طرقت عندها موضوع التمويل للسفر . ومن جانبي أنا لم ألمِّح أبداً ولو بكلمة واحدة عن وعدها الذي قطعته لي باستعدادها التام منذ أكثر من عامين, بالتضحية بحُليّها وذهبها في سبيل سفري الموعود!. ومع كل هذه الهواجس والتطلعات لم أكن في غرارة نفسي مرتاحاً أو مرحباً بهذه الطريقة الجبانة والكسولة للحصول علي المال من إمرأة ضعيفة لا سيما أنها أمي وفي أعز ما تملك من مال تدخره منذ سنين قديمة ليوم كريهة وسداد ثغر.... لا أتى ذلك اليوم..... !.
- ياولدي مادام نويت السفر ربنا بساعدك ....وما تهم للقروش ربنا بدبرا....!
- كلامك صحي يمي.... قسم الجواز الهين ده ماكنت حاريهو يطلع...
- والله كان ندّيّن إلا نسفرك أصلك ماتهم والناس البديوننا كتار!
- عليك الله يمي كل شى ولا الدّين ده . انت البدينك ده قايلاهو ريّحِك ؟ هو ذاتوا وينو الزول البديِّن ده؟ واكن اتلقى ذاتو منو البصبر فيهم؟! إلا كان يذلوا الزول ويختو نخرتو في الوطا ! ...
- انت مشيت بعيد كده مالك ياولدي؟.... خيلانك ديل ما شاء الله سوق الدهب ماسكنو كلو في مدني ؟ والله أنا كان مشيت ليهم ما بيابوا لي والله كان قلت ليهم ألف جنيه بِدُّوني ليها !.
- هوي يمي أخوانك ديل أسأليني منهم انا!... كلهم بخلا !! حلوين لسان ساي .... لكن لامن تجيهم في القروش ده يقبلوا منك كده ...!
ضحكت أمي من هذا الإتهام الذي وجهته إلى إخوتها :
- أجي ياولدي .. انت كان كده ما بتعرف اخوالك ديل كويس ، والله اي قروش عاوزاها طوالي بدوني ليها ولابسألوني منها!.
- انت يمي لكن ما أختن .. لكن نحن وين؟!
- خلاص يا العوض أنا دي البديّن ليك منهم - وريني القروش البتسفرك كمها ؟!
- لا لا يمي سفراً بالدين ده ذاتو ما بلزمني !...
حزنت أمي عندما سمعت ذلك وصمتت برهة من الزمن تنظر نحو الارض ثم استطردت قائلة :
- ياولدي انت براك شايف الحالة العلينا...! هسع عندنا شنو؟! الحاجات العندنا كلها كان بعنا منها شي واحد عيشتنا بتتجهجه ، وكان اتباعت ذاتو ما اظن بجيبلهن قروشاً يسفرِّن ! عشان كده وريني القروش البسفرنك كمّهن وتاني ما شغلتك اجيبن ليك من وين !.
- خلاص يمي البتسويهو كلو خير..!
- يلا وريني كمهن القروش ...!
- يا يمي القروش السفّرن القبالي العراق بتسفرني ذاتي... ما عاوز اعمل لي شيتاً يخالف الناس !!
- ود عمك سالم أُمّو قالت سفرو كلفن مية وتسعين جنيه... غايتو بشوف أول شي خالك عبدالحق بقولو دايرة لي ميتين وخمسين جنيه دين كان ابي بأمِّنو دهبي وما ظن يابا...!
- هوي يمي كان هبشتي دهبك ... انا السفر ذاتوا بخليهو ، كان دينوك خلاص ، ما دينوك حصل خير ! ....الشفقة شنو بنزل اتكرب في الحواشة دي ....سنة واحدة بطلع حق سفري ...!
إلي هنا توقف الحوار مع أمي, والساعة قاربت الثامنة صباحاً علي أن أخرج بالغنيمات الثلاثة مع النعجة إلي راعي اللميمة، وبعدها سأعرِّج إلي السر لأنظر ماذا يريد مني عندما دعاني ليلة أمس للحضور إليه في المنزل! بالفعل ما إن سلمت الأغنام إلي الراعي الذي طالبني بحقوقه الشهرية التي تأخرت إلى مدة تجاوزت العشرة أيام في الشهر الجديد, وطمأنته بأنني غداً سأعطيه حقه كاملاً وشرحت له أن جيبي الآن خالياً وفارغاً تماماً من النقود, لأنني لم أعلم بالأمر ولم أضع لذلك أي حساب! إقتنع الراعي البائس بحجتي الواهية, واستلم مني الأغنام التي رفض في البدء إستلامها, وقام بضمها إلي المُراح الكبير مطقطقاً وراءها بسوطه الطويل, وقد أحدث فرقعة عالية و مخيفة صنت لها آذاني وهربت أمامها الغنيمات وهي تعدو نحو المراح حتي اندست داخله وهي مرعوبة !.
The Shaky Favourite Casino App - JTHub
ردحذفThe Shaky Favourite Casino 광명 출장샵 App 김포 출장마사지 — The Shaky 청주 출장마사지 Favourite Casino App. New Online 강원도 출장샵 Casino Player can play any casino game you 청주 출장마사지 choose,